وثيقة بكركي في حزيران وهذه خطوطها العريضة: “تاريخيّة” أم مخيّبة؟

كتب داني حداد في موقع mtv:

يحضر الربيع ببرودته الناعمة في مقرّ مطرانيّة انطلياس المارونيّة في قرنة شهوان. من الطابق العلوي، الذي يظلّله القرميد الأحمر، يمكن لراعي الأبرشيّة المطران أنطوان بو نجم أن يشاهد كامل مساحة أبرشيّته، وقسماً من بيروت وكسروان. لكنّ هدوء المكان تعكّره الهموم التي تدور في رأس المطران الشاب الهادئ.

يبدو واضحاً أنّ المطران بو نجم اختار ألا يكون أسقفاً عابراً. لم يكفّ عن المبادرات، منذ انتُخب. ولم تشلّه العراقيل، وإن صدمته. هو يعمل بـ “قلبٍ طيّب”. تلاحظ الأمر من خلال كلامه، وفيه رهان على حسن نيّات السياسيّين. هنا تتجلّى طيبة القلب.
يتحدّث بو نجم بتفاؤل عن وثيقة بكركي التي جرى الإعداد لها عبر اجتماعاتٍ شارك فيها ممثّلون عن أحزاب الكتائب اللبنانيّة، القوات اللبنانيّة، التيّار الوطني الحر، الأحرار، حركة الاستقلال ومشروع وطن الإنسان، في حين قاطع تيّار المردة ولم يجب رئيسه سليمان فرنجيّة ولا نجله طوني فرنجيّة على اتصالات المطران ورسائله على “واتساب”.
أُنجزت صياغة الوثيقة، وأرسلت نسخٌ عنها إلى رؤساء الأحزاب، وفيها عبارات وطنيّة أكثر منها مسيحيّة، تلبيةً لحرص البطريرك مار بشارة بطرس الراعي، وإن كانت لم تخلُ من أهميّة الدفاع عن حضور المسيحيّين ودورهم وفاعليّتهم. وتطرّقت الوثيقة الى ملفّ حزب الله، حيث يكشف مصدرٌ مشارك في الاجتماعات عن نقاشٍ مسهب حصل حول هذا الموضوع، وكان تشديدٌ على ضرورة حصر السلاح في عهدة الجيش، في حين برز تفاوتٌ في الآراء حول كيفيّة حلّ هذا الموضوع. علماً أنّ المصدر نفسه يتحدّث عمّا سمّاه “تقدّماً في موقف التيّار الوطني الحر من المواضيع السياديّة، مقارنةً مع الماضي”.
أمّا في الملف الرئاسي، فبقيت الورقة في إطار المسلّمات. لا دخول في الأسماء، ولا كلام عن مواصفات، بل تشديد على ضرورة احترام الدستور.
تشير المعلومات الى أنّ رؤساء الأحزاب الذين أرسلوا موفدين عنهم إلى الاجتماعات بدأوا بوضع ملاحظات على الورقة التي وصلت إليهم عبر البريد الالكتروني، لكنّ غالبيّتها تدخل في إطار الصياغة لا الجوهر. فرئيس حزب القوات اللبنانيّة طلب، على سبيل المثال، صياغة مختلفة للعبارة المتعلّقة بحصريّة السلاح.

لا مواعيد قريبة للجنة ممثّلي الأحزاب في بكركي. لكنّ المطران بو نجم يأمل، عند إنجاز النصّ النهائي، أن تُعرض الوثيقة على مجلس المطارنة في حزيران المقبل لتصدر عنه بشكلٍ رسمي. فهل ستحقّق هذه الوثيقة تغييراً ما، أم ستُضاف الى وثائق وبيانات مخيّبة بقيت حبراً على ورق؟
يقول ممثّل أحد الأحزاب المشاركة في الاجتماع إنّ أحداً لم يكن يتوقّع أن يحقّق بيان مجلس المطارنة الشهير في أيلول ٢٠٠٠ ما حقّقه، فتحوّل إلى بيانٍ تاريخي. من الطبيعي أنّ الظروف مختلفة اليوم، ولكنّ بكركي تحاول، والمطران بو نجم يأمل، والاعتماد على نيّات السياسيّين، وهنا الطامة الكبرى.
فالحاجة باتت ملحّة لأن تحصل مراجعة للحضور المسيحي، وللشغور الرئاسي الذي تحوّل عادةً لبنانيّة، عهداً بعد آخر، مع ما لذلك من تأثير على دور المسيحيّين في تركيبةٍ صنعوها قبل عقود وباتوا على هامشها اليوم.
يوافق المطران بو نجم على أنّ المطلوب ليس ثنائيّاً مسيحيّاً مشابهاً للثنائي الشيعي، إذ أنّ قيمة المسيحيّين في حريّتهم وتنوّعهم وانفتاحهم، ولكنّ الحاجة أيضاً الى اعترافٍ بأنّ المسيحيّين لا يعيشون أفضل أيّامهم وثمّة حاجة الى نهضةٍ لهم على أكثر من صعيد.

يعتمد المطران بو نجم “على الله”. وفي البلد من يعتمد، حتى من المسيحيّين، على حزب الله. نغادر مقرّ مطرانيّة انطلياس المارونيّة في قرنة شهوان. الطقس ربيعيّ هنا. طقس السياسة متلبّد، كوجوه بعض السياسيّين.

لا تفوت منشورًا!

اشترك مجانًا وكن أول من يتم إخباره بالتحديثات.