النهار: اعتراضات تلزم ميقاتي التراجع في ملف القرنة السوداء

وطنية – كتبت صحيفة “النهار”: بدا واضحا في الساعات الأخيرة ان تداعيات احداث القرنة السوداء لم تقتصر فقط على المناخات المتوترة التي لا تزال ترخي بظلالها على قضاءي بشري والضنية، وانما تمددت الى مفاعيل سياسية وقانونية وقضائية من منطلق ربط هذه الاحداث بالمشكلة العقارية والمائية بين القضائين الشماليين. ولعل ابرز التعبيرات عن هذه التداعيات تمثل في اضطرار رئيس حكومة تصريف الاعمال نجيب ميقاتي الى التراجع عن قرار تشكيله لجنة وزارية موسعة للنظر في ملف الإشكالات العقارية والمائية في عدد من المناطق تحت وطأة اعتراضات فورية على هذه اللجنة بادرت اليها “القوات اللبنانية” وانضم اليها نائبا بشري. كما ان سهام الاعتراض على السياسات الحكومة اتسعت مع حملة متجددة لـ”التيار الوطني الحر” على الحكومة من منطلق تحذيرها من الاقدام على تعيينات في مواقع الفئة الأولى.

 

هذه المناخات المتوترة والمحتقنة بين قوى مسيحية بارزة والحكومة بدت انعكاسا لاتجاه الازمة الرئاسية نحو مزيد من الغموض الداخلي وسط انتظار الخطوات المتوقعة للموفد الرئاسي الفرنسي جان ايف لودريان والموعد الافتراضي لعودته الى لبنان وما اذا كان يعتزم فعلا القيام بجولة على بعض او كل عواصم دول المجموعة الخماسية المعنية بمتابعة الازمة الرئاسية اللبنانية وتداعياتها.

 

ومع ان أي معطيات فرنسية رسمية لم تتضح بعد حيال ما يعتزم القيام به لودريان وموعد عودته الى بيروت، فان أوساطا قريبة من احد المراجع تحدثت مساء امس عن عودة الموفد الفرنسي في 17 تموز الحالي بعد زيارتين سيقوم بهما للرياض والدوحة، وقالت انه يحمل معه مشروع عقد طاولة حوار تجمع رؤساء الكتل النيابية في مجلس النواب على ان تكون “على الأرجح” برئاسة الرئيس نبيه بري.

 

وفي ظل الانسداد الذي يظلل افق الازمة الرئاسية حتى اليوم، لوحظت عودة البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي الى اثارة اقتراحه المعروف حول المؤتمر الدولي فقال في كلمة القاها في خلال اطلاق وثيقة “لقاء الهوية والسيادة” بعنوان “رؤية جديدة للبنان الغد، دولة مدنية لامركزية حيادية”، من بكركي، انه “طالب بمؤتمر دولي للبنان بعدما هرب السياسيون اللبنانيون من الحوار لأنهم مرتهنون لمصالحهم الخاصة”، وابدى “شكوكه باخلاص السياسيين للبلد” ، مؤكدا “ان المسؤولين عندنا يهربون من الحوار لانه لدى كل واحد منهم مصلحته الخاصة ولا يريد التضحية بها”، مشيرا الى ان لا “خلاص للبنان اذا ما بقينا على ما نحن عليه”، لافتا الى ان “لبنان مريض ولا يريد المسؤولون معالجة مرضه او معرفة سببه…ولا يحق للمسؤولين تدمير دولة وشعب من خلال تدمير النظام والدستور” ، مجددا رفضه ان” يكون العمل السياسي للخراب والهدم”.

 

بدوره اعتبر مفتي الجمهورية اللبنانية الشيخ عبد اللطيف دريان اثر عودته من مكة “أن انتظار تسوية ما لانتخاب رئيس للجمهورية هو مزيد من الاهتراء والتفكّك في مفاصل الدولة”. وقال “فليكن الحوار ضمن الأطر الدستورية هو البداية لبلورة الأفكار للتوصّل إلى حلّ يفضي بانتخاب رئيس للجمهورية، فلا يجوز التأخير والتصلّب في المواقف، ما يفيدنا هو التشاور والتلاقي والتواصل والتنازل لبعضنا البعض، لقد أصبحت مؤسّسات الدولة في وضع حرج، وإذا لم نتدارك الأمر ربما نصل إلى الإفلاس، والفوضى على كل المستويات وعندئذ لا ينفع الندم”. ولفت الى ان “الدول العربية الشقيقة والصديقة تنتظرنا لمساعدتنا، وينبغي أن لا نضيع الفرصة في التعاون مع الدول الحريصة علينا، الوقت يمرّ، والمعاناة المعيشية تشتدّ، والخطر الداهم يحدق بنا، واذا لم نقم بالمبادرة وانتفضنا على ذاتنا لإيجاد الحلول فلا يمكن أن ننهض ببلدنا”.

 

“الحزب” والطائف

في المقابل، برز امس موقف لافت ونادر لـ”حزب الله” شدد فيه على نفي ما يتهم به لجهة السعي الى تعديل اتفاق الطائف. واكد رئيس كتلة “الوفاء للمقاومة” النائب محمد رعد “التزام حزب الله اتفاق الطائف، وعدم رغبته في تعديل أي حرف منه”، وقال : “لن ندعو لتعديل شيء في الطائف، ونحن نريد فقط تطبيق نصه”. وأشار إلى أننا “لا ندعو إلى صيغة سياسية جديدة، وكفى تشويشًا على أنفسكم وعلى الناس وإطلاق الأكاذيب والتحريض ضدنا”. واعتبر أن “إذا ما طُبّق الطائف كما ورد في نصه، لتمكنا من تجاوز العديد من المشاكل والأزمات، فنحن أهل الإلتزام وليس بمقدور أحد أن يعلّم علينا في هذا الأمر”. وختم بالقول: “عندما نجِدُ نحن والطرف الآخر صعوبات في أن نلتزم في ما اتفقنا عليه، نبحث مع بعضنا البعض في كيفية تجاوز هذه الصعوبات لأننا لا نعود عن التزاماتنا على الإطلاق”.

 

“تجميد” اللجنة

اما في ما يتعلق بتداعيات احداث القرنة السوداء فسارع امس رئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع الى انتقاد الرئيس ميقاتي معتبرا انه “تجاوز بقراره تشكيل لجنة لدرس مسألة النزاعات بين الحدود العقارية، حد السلطة بشكلٍ غير مفهوم إذ إنّ مسألة النزاعات بين الحدود العقارية هي من صلاحيات السلطات القضائية وليس السياسية. واوضح “انّ ملف تحديد الحدود العقارية في منطقة القرنة السوداء، هو بعهدة السلطة القضائية منذ ثلاث سنوات ، وأعمال المسح والتحديد تجري على قدم وساق، ولو ببطءٍ. فحبذا لو نفهم هذا القرار الذي أصدره الرئيس ميقاتي متجاوزاً فيه كل حدود السلطة”.

 

ولاحقا اصدر نائبا قضاء بشري ستريدا طوق جعجع وملحم طوق بيانا مشتركا مماثلا اعتبرا فيه إن قرار ميقاتي “يعد تجاوزاً فاضحاً لمبدأ فصل السلطات باعتبار أن النظر في النزاعات العقارية يقع تحت صلاحيات السلطة القضائية وليس السياسية. واعتبرا أن الرئيس ميقاتي “بقراره هذا يعيد المسألة إلى المربع الأول في حين أنها قد اجتازت، بعد سنوات عدّيدة من المسار القضائي، شوطاً كبيراً ووصلت إلى المرحلة النهائيّة. فإذا كانت نيّة رئيس الحكومة من وراء إصداره هذا القرار التسريع في حل المسألة تحت هول الجريمة النكراء التي وقعت في أرضنا وأودت بحياة الشهيدين مالك وهيثم طوق فإن مفاعيل قراره هذا ستوصلنا إلى نتائج عكسيّة لذا نتمنى عليه العودة عنه فوراً، والاستعاضة عنه بالطلب من وزير العدل إجراء ما يلزم لتسريع الحسم في صدور القرار عن المراجع القضائيّة”.

 

وبدا لافتا تزامن هذه الاعتراضات مع تحذّير اطلقه “التيار الوطني الحر” “مما تخطط له الحكومة الناقصة الشرعية ومن يدعمها، لفرض أمر واقع يخالف الميثاق والدستور من خلال الإقدام على إجراء تعيينات في مواقع الفئة الأولى متجاوزة الشغور في موقع رئاسة الجمهورية لإيصال رسالة مفادها أن حكم البلاد ممكن من دون رئيس يمثل المسيحيين في معادلة الشراكة الدستورية”. ولفت الى ان هذا الإتجاه “يشكل غطاءً لمخالفات جسيمة ترتكبها الحكومة الميقاتية منذ إنتهاء ولاية الرئيس ميشال عون وآخرها ما قام به اللواء عماد عثمان مدير عام قوى الأمن الداخلي من تشكيلات غير متوازنة وغير ميثاقية عبر برقية الفصل خلافاً للأصول وللقانون وللإرادة السياسية التي تعلوه”.

 

وسارع على الاثر المكتب الإعلامي للرئيس ميقاتي الى اصدار بيان توضيحي حول تفعيل عمل اللجنة المشكّلة منذ العام 2010 لدرس كيفية الاستفادة من مياه القرنة السوداء “وأضيف إليها الشق المتعلّق بالحدود العقارية، بمعنى أن نطاق عمل اللجنة، وإلى جانب الموضوع المتعلق بالحدود العقارية، يشمل ايضاً درس موضوع توزيع المياه وكيفية الاستفادة منها في المناطق المتنازع عليها، إضافة الى وضع تصور لحماية البيئة وتحديد المناطق المحمية” . واعلن انه “في ضوء ما اثير من اعتراضات ومزايدات، فإن الرئيس ميقاتي اتصل برئيس اللجنة وزير الداخلية والبلديات بسام مولوي، وطلب منه التريث في دعوة اللجنة الى الانعقاد، وبالتالي تجميد عملها، كما اتصل بوزير العدل هنري خوري وطلب منه متابعة الملف مع مجلس القضاء الاعلى لتسريع البت بالملفات القضائية ذات الصلة” .

 

 

Don't miss a post!

Subscribe for free and be the first to be notified of updates.