السياسة السعودية في لبنان: من البوابة الواحدة إلى جمع الأضداد و استقرار الساحة

*كتب نديم بيضون في موقع بيروت٢٤*

تعيش الساحة السُّنية في لبنان مرحلة جديدة من التعاطي السعودي معها، بعدما كان حضور المملكة لعقود طويلة يمرّ عبر تيار واحد أو شخصية واحدة تُعتبر بمثابة “البوابة الإلزامية” للتواصل مع الرياض. هذا الأسلوب لم يعد قائماً اليوم، إذ كسرت السعودية هذه القاعدة وفتحت الباب أمام تواصل مباشر مع مختلف القوى السنية، بعيداً عن أي احتكار أو تفويض حصري.

السياسة الجديدة انطلقت من قناعة بأنّ التشتّت الذي أصاب الساحة السُّنية بعد العام 2019 أضعف موقعها الوطني، وترك فراغاً انعكس على توازن الحياة السياسية في لبنان. لذلك، عملت المملكة خلال السنوات الماضية على تقريب وجهات النظر وإنهاء حالة الانقسام، فجمعت الأضداد التاريخيين في المدن والقرى، وأعادت وصل ما انقطع بين شخصيات متخاصمة منذ عقود. ولم يقتصر الأمر على القوى التقليدية، بل شمل أيضاً النواب التغييرين المؤثرين، في رسالة واضحة أنّ لا فيتو على أحد، وأنّ الساحة السنية يجب أن تُدار بروح الشراكة لا الإقصاء.

غير أنّ المهمة الأصعب أمام هذا التوجّه السعودي تبقى في استيعاب الشخصيات التي كانت في فلك بعيد – بل بعيد جداً – عن المملكة. والسبب يعود إلى تراكم سنوات طويلة من سوء الفهم، وتقاطعات داخلية جعلت بعض هذه الشخصيات أقرب إلى محاور مناوئة للرياض أو متحفظة على سياستها الداخلية سابقا ”

فالتعامل مع هؤلاء يحتاج إلى جهد إضافي، وإلى بناء ثقة متبادلة تضع المصلحة الوطنية فوق الحسابات الشخصية أو الاصطفافات السابقة.

في هذا السياق، يبرز أيضاً دور دار الفتوى كمرجعية جامعة وضامنة لوحدة الصف السني، حيث يشكّل حضوره غطاءً دينياً ومؤسسياً لخطوات لمّ الشمل، ويمنحها شرعية تتجاوز الأطر السياسية الضيقة. فالتكامل بين تحرّك المملكة ورعاية دار الفتوى يعزز فرص النجاح ويضفي ثقلاً إضافياً على هذا المسار.

والأهم أنّ السعودية التي تجمع بين أوكرانيا وروسيا على طاولة واحدة، وتبني جسوراً بين أميركا والصين، لم تعد المملكة التقليدية. إنها قوة دبلوماسية ذات أفق عالمي، تحمل رسالتها بوضوح: “لا نملك ترف الوقت للخلافات”. وهذه الرسالة أرادت الرياض أن تصل إلى الساحة اللبنانية، وبخاصة السنية، بأنّ الانقسام الداخلي لم يعد مقبولاً في زمن التحولات الكبرى.

اللقاء الذي انعقد مؤخراً في دارة النائب فيصل كرامي جاء كترجمة عملية لهذا التوجّه. فكرامي بما يمثّله من عمق طرابلسي وتاريخ سياسي، شكّل نقطة التقاء طبيعية لخصوم الأمس الذين جلسوا إلى طاولة واحدة، في مشهد يعكس التحوّل السعودي الأوسع: لا عودة إلى زمن البوابة الواحدة، بل فتح قنوات مع الجميع لإعادة لملمة الصف السني وتحصين دوره الوطني.

بهذا المعنى، لم يعد حضور السعودية في لبنان محكوماً بمعادلة “الزعيم الواحد”، بل بات قائماً على إعادة توزيع الاهتمام على شبكة أوسع من القيادات والنواب والفاعليات، بما يضمن توازناً أكبر ويؤسس لاستقرار أشمل يصب في مصلحة لبنان ..الوطن النهائي للجميع !